منتدى الاسلام ديني العام
اهلا وسهلا بك بيننا
ارجو منك اخي في الله انك تسجل بالمنتدى او تسجل دخولك
من خلال الكبسات اسفله وما احلل كبسة اخفاء
منتدى الاسلام ديني العام
اهلا وسهلا بك بيننا
ارجو منك اخي في الله انك تسجل بالمنتدى او تسجل دخولك
من خلال الكبسات اسفله وما احلل كبسة اخفاء
منتدى الاسلام ديني العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي عام يهتم بالديانه الاسلامية بشكل خاص ونتمنى ان يعجبكم المنتدى
 
الرئيسيةالرئيسية  المجلةالمجلة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

  لمسات بيانية من سورة الانسان - 1

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
kimou123




عدد المساهمات : 101
نقود للمتجر : 303
تاريخ التسجيل : 30/05/2013

 لمسات بيانية من سورة الانسان - 1 Empty
مُساهمةموضوع: لمسات بيانية من سورة الانسان - 1    لمسات بيانية من سورة الانسان - 1 11750610الخميس مايو 30, 2013 10:35 am

*تناسب خواتيم القيامة مع فواتح الإنسان*

السورتان
الخامسة والسبعون والسادسة والسبعون. في أواخر القيامة قال (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ
يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)) وفي الإنسان
(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)). سورة القيامة في القيامة وسورة الإنسان في الإنسان.

**هدف السورة**

عليك الدعوة وعلى الله الهداية (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)
آية 3 ثم تتكلم السورة عن نوعين من البشر أناس استجابوا للدعوة وآخرين
عاندوا ورفضوا الدعوة ومصير كل منهما في الآخرة. والإنسان يتحمل نتيجة
أفعاله.

***لمسات بيانية في سورة الإنسان للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي ***

آية (1):

(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1})

لو
نظرنا في سياق السورة نجد أن آيات السورة تذكر الإنسان قبل وجوده وتذكره
وهو نطفة أمشاج وتذكره فيما بعد كإنسان مكلّف وتذكره بعد خروجه من الدنيا
إلى النعيم والمُلك الكبير أو الأغلال والسعير، فالسورة كلها تذكّره في كل
مراحل الإنسان فهي بحق سورة الإنسان ولذا ناسب تسميتها سورة الإنسان.

والسورة تبدأ بقوله تعالى (هل أتى)
.إن المفسرين وأهل اللغة عموماً يقولون هل هنا معناها (قد) بمعنى (قد أتى)
لكن لا يُقصد بها الإخبار وإنما (قد) مسبوقة باستفهام بمعنى (أقد أتى)
فالإستفهام قائم والقصد منه التقرير وليس الإستفهام حقيقة. فالإستفهام
حقيقة هو أن يسأل الإنسان
(هل أتى)
لا أن يُخبر الإنسان (قد أتى) كما أننا لا نقول لشخص قد أنعمت عليك لكن
تقول هل أنعمت عليه ليأتي الجواب منه بنعم. فالله تعالى يسأل هل أتى على
الإنسان فيجيب الإنسان نعم فجواب السؤال لكل من يسأل هو نعم إذن من الذي
خلق الإنسان بعد أن كان عدماً؟ إذا كان أتى على الإنسان حين من الدهر لم
يكن شيئاً مذكورا فمن الذي خلقه؟ فالجواب
(إنا خلقنا الإنسان) أياً كان هذا الإنسان لم يكن شيئاً مذكوراً.

الآن نسأل من المقصود بهذا الإنسان الذي ذكره تعالى في مطلع السورة؟ هنا اختلف المفسرون فقسم قال أن المقصود هو آدم u
لم يكن شيئاً مذكوراً عندما خلقه الله تعالى من الطين إلى قبل نفخ الروح
فيه كان شيئاً ولم يكن مذكورا، وقسم آخر يقول هو الإنسان بدليل قوله تعالى
(لقد خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) يشمل ذرية آدم
u
وليس آدم لأن آدم من تراب فكل واحد من البشر كان شيئاً في الرحم لكنه لم
يكن مذكورا. لكن الذي يترجح والله أعلم أن الإنسان في الآية يشمل آدم
u
ويشمل ذريته أي جنس الإنسان عموماً. ويأتي سؤال هنا في الحقيقة ما المقصود بـ (لم يكن شيئاً مذكورا)؟ هل المقصود أنه لم يكن شيئاً أصلاً كقوله تعالى في سورة مريم(ولقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) في خطابه لزكريا u
أو قوله تعالى (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) أو
المقصود أنه خلقه أي كان شيئاً لكنه لم يكن مذكورا؟ فما دلالة كلمة
(مذكورا)
هنا؟ وهل هي منفية أو مثبتة؟ مثل هذا التعبير في اللغة يحتمل معنيين وهذا
من باب التوسع في المعنى، فهو يحتمل نفي القيد أصلاً (لم يكن شيئاً) لا
مذكوراً ولا غيره كما في قوله تعالى (لا يسألون إلحافا( (يحسبهم الجاهل
أغنياء من التعفف) بمعنى أنهم لا يسألون لا ملحفين ولا غير ملحفين فيتعففون
ولا يسألون الناس. وكذلك يحتمل نفي القيد فقط بمعنى كان شيئاً لكنه لم يكن
مذكورا كما في قوله تعالى (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين)
لم ينفي خلق السموات والأرض لكنه نفى اللعب. وعليه فإن قوله تعالى
(لم يكن شيئاً مذكورا) تحتمل أنه أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً أصلاً مذكوراً أو غير مذكور وتحتمل أن يكون شيئاً لكنه غير مذكور.

يُبنى على هذا السؤال سؤال آخر: إذا
كان المُراد المعنى الأول (أي النفي أصلاً) أي العموم فلَمِ ذكر كلمة
مذكور ولم يقل كما جاء في سورة مريم (ولم تك شيئا) بدون ذكر كلمة مذكور؟

هناك أكثر من سبب لذكر كلمة (مذكور) أولاً هي إشارة إلى تطور على جميع
مراحل الإنسان فقد خلق الإنسان من لا شيء وكان شيئاً ولم يكن مذكورا ثم
نطفة أمشاج ولو لم يقل مذكورا لأفاد أنه قفز فوق المرحلة الوسطى والسورة
كما أسلفنا تتحدث عن تطور مراحل الإنسان وجميع أطواره قبل وجوده ووجوده وهو
غير مذكور ووجوده وهو مذكور والنطفة وغيرها. إذن لماذا لم يستخدم كلمة
مذكورا في سورة مريم؟ عدم ذكرها في سورة مريم هو المناسب لأن الآية في
السورة خطاب لزكريا
u
عندما دعا ربه ليهب له غلاماً فقال تعالى (إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى)
فيتعجب زكريا (أنّى يكون لي غلام) فقال تعالى (ولقد خلقتك من قبل ولم تك
شيئا) بمعنى أن الله تعالى خلقه ولم يكن شيئاً أصلاً ولو قال شيئاً مذكورا
لا تظهر قدرة الله تعالى لأنها ستفيد أنه كان شيئاً لكنه لم يكن مذكورا.
فالخلق من أبوين أيسر عند الله من الخلق من العدم لكن الله تعالى يريد أن
يُظهر أنه خلق زكريا ولم يكن شيئاً مذكوراً أي خلقه من العدم وهذا أصعب من
الخلق من ابوين وكله عند الله تعالى سهل لكننا نتحدث من منطق البشر.
والعموم يدلُ على القدرة الأكبر ولو قال في آية سورة مريم (شيئاً مذكورا)
لم تؤدي المعنى المطلوب في الآية. وهذا أدلُ على القدرة، كذلك في قوله
تعالى (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) لم يأت بكلمة
مذكورا هنا أيضاً لأن الخطاب في الآية للذبن أنكروا البعث فهم يسبعدون أن
يعيدهم الله بعد موتهم فيخبرهم الله تعالى أن الإعادة أيسر من الإبتداء
بالخلق من عدم ونفي الشيء هو أبلغ من الذكر.

ومن الملاحظ أيضاً في هذه الآية استخدام فعل أتى بدل فعل جاء والسبب أن القرآن يستعمل أتى فيما هو أيسر أما جاء فيستعمل فيما هو أشقّ وأصعب. وهنا قال تعالى (هل أتى على الإنسان ) فالإنسان ليس فيه مشقة أو ثقل على اتيانه في مثل هذه الحالة استعمل أتى دون جاء.

وكذلك قدّم الجار والمجرور (على الإنسان) على الفاعل (حين)
والأصل أو يتقدم الفاعل على الجار والمجرور لكن الكلام في الآية هو على
الإنسان وليس على الدهر فالدهر يمر والكلام في الإنسان فهو أهم من الدهر في
السياق الذي وردت فيه الآية فاقتضى تأخير الفاعل وتقديم الجار والمجرور.

آية (2):

(ِإنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً {2})

بعد أن أثار تعالى السؤال في الآية الأولى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) فإن السامع سيقول قطعاً نعم أتى عليه هذا الحين، فيُطرح سؤال آخر إذن: من خلق هذا الإنسان وأوجده؟ فيجيب الله تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) والإجابة جاءت بضمير التعظيم وبالتوكيد (إنّا) ضمير التعظيم مع التوكيد لأن هذا الأمر فيه عظمة وجلال. وقد قدّم إسم إنّ على الجملة الفعلية
التي هي خبر إن. ومن جملة معاني التقديم هو القصر بمعنى نحن وحدنا خلقنا
الإنسان على سبيل الحصر والقصر وقد أكد تعالى ذلك بـ (إنّ) وذكر ذلك بضمير
التعظيم إذن فهو الخالق حصراً ليس معه شريك سبحانه.

وفي نفس الوقت قال (نبتليه) بضمير التعظيم
بدليل أن الخالق والمبتلي جهة واحدة وهو الله تعالى لأنه أحياناً قد يكون
الإبتلاء من إنسان على إنسان وهذا يدل على عظمة الأمر الذي يبتلي به. ثم
قال
(فجعلناه) وهذا الفعل منسوب إلى الله تعالى أيضاً وهو سبحانه الذي تفضّل على الإنسان بذلك فخلقه وأنشأه وهو الذي اختبره وذكر الوسائل التي يصحّ معها الإختبار.

(الإنسان):

قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان) وهنا نسأل من هو الإنسان الذي ورد ذكره في الآية؟ في الآية الأولى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) اختلف في مدلول كلمة الإنسان أهو آدم u أم ذريته؟
أما في هذه الآية فالمقصود قطعاً هم ذرية آدم لأنه تعالى ذكر أنه خلقه من
نطفة أمشاج وهذا لا يكون لآدم الذي خلقه من تراب. المرجّح في الآية الأولى
أن المقصود بالإنسان المذكور في الآية هو آدم
u وفي الآية الثانية ذرية آدم u

فذكر الإنسان الأول ومن بعده وهذا يدل على القدرة وعلى الإيجاد والإستمرار
ولذلك لم يذكر الضمير في الآية الثانية التي تدل على الإنسان فلم يقل
مثلاً إنا خلقناه من نطفة أمشاج باستعمال الضمير بل قال تعالى
(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) وهذا يدل على أن المقصود قطعاً ذرية آدم. وهذا كله يرجّح أن الإنسان في الآية الأولى يقصد بها آدم
u والإنسان في الآية الثانية يقصد بها ذرية آدم u.

(نطفة أمشاج):

الأمشاج
لغة هي الأخلاط وكلمة أمشاج تستعمل مفرداً وجمعاً (مشيج ومشج والجمع
أمشاج، مشيج تجمع على أمشاج مثل شريف وأشراف، ومشج تجمع على أمشاج مثل بطل
وأبطال ومشج ومزج متشابهتان في المبنى والمعنى)، وفي اللغة العربية كلمات
عديدة تستعمل مفرداً وجمعاً مثل كلمة بشر وقد استعملت في القرآن الكريم
للمفرد (أبشراً منا واحداً نتبعه) والجمع (ما أنتم إلا بشر مثلنا) سورة يس،
وكذلك كلمة الفلك استعملت في القرآن للمفرد (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في
الفلك المشحون) سورة يس، وللجمع (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح
طيبة) سورة يونس، وكذلك كلمة طفل تستعمل للمفرد والجمع وقد يستعمل جمعها
أيضاً لأنها تجمع على أطفال (والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) و
(وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم). والأمشاج هي الأخلاط وكما قلنا تستعمل
للمفرد والجمع ونسأل
لماذا اختار الجمع على المفرد في هذه الآية؟
كان من الممكن القول (نطفة مشيجة أو مشج) لكن اختيار الجمع لكثرة ما فيها
من أخلاط وامتزاجات وهذا موجود في اللغة فيقال : بلد سبسب (أي قفر) وبلد
سباسب، يمكن القول بلد سباسب إذا كثر فيه القفر كأن كل جزء من البلد هو
سبسب والسبسب هي الأرض الواسعة الصحراء. كذلك نقول أرض قفر وأرض قفار
والجمع تعني أن كأن كل جزء من الأرض قفر على حدة، ولهذا قال تعالى إنا
خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج من كثرة ما فيها من أخلاط.

(نبتليه):

بمعنى
نختبره ونمتحنه. الفعل المجرّد بلى يبلو أما فعل ابتلى يبتلي ففيه مبالغة
أكثر من فعل بلى مثل صبر واصطبر لأن صيغة افتعل فيها مبالغة مثل كسب
واكتسب. إذن قال تعالى نبتليه وليس نبلوه دلالة على المبالغة في الإختبار.
وقد استعمل القرآن الكريم نبلو وابتلى في مواضع عديدة فبعد غزوة أحد قال
تعالى (وليبتلي الله ما في صدروكم) سورة آل عمران ثم بعد غزوة الأحزاب قال
تعالى (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا) سورة الأحزاب. والقول
أن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى غير مضطرد لأنه أحياناً يكون
الأقل في المبنى أبلغ في المعنى مثل فعل حذر (صيغة مبالغة) وحاذر (إسم
فاعل)، حذر أبلغ من حاذر وفيها صيغة مبالغة (وهذه الأمور تُعرف في أبنية
الفعل وفي معانيه في علم الصرف ودلالة الصيغ مثل صيغة فعّل وافتعل وتفاعل
واستفعل وغيرها).

ونسأل
الآن لماذا جاءت آية سورة الملك باستخدام فعل بلى يبلو في قوله تعالى
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) ؟ ولماذا جاء التخفيف في
البلاء ولم يستعمل ليبتليكم؟ وما الفرق بينهما؟


لو
قرأنا آية سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
{2}) لوجدنا أنها تنتهي بقوله تعالى وهو العزيز الغفور، والمغفرة تقتضي
التخفيف أولاً لأن الإبتلاء والشدّة لا تتناسبان مع الغفور التي هي أصلاً
صفة مبالغة أما صيغة ليبلوكم فهي أنسب مع المغفرة والتخفيف جزء من المغفرة.
وهناك أمر آخر: نلاحظ في سورة الإنسان ذكر تعالى ما يصحّ معه الإبتلاء
(فجعلناه سميعاً بصيرا) (إنا هديناه السبيل) السمع والبصر والإختيار والعقل وأطال في ذلك فلما أطال في ذكر ما تردد أطال في صيغة الإبتلاء (نبتليه)
أما في سورة الملك فلم يذكر أياً من وسائل الإبتلاء إنما ذكر خلق السموات
مباشرة في الآية التي بعدها فاقتضى استعمال الصيغة المخففة (ليبلوكم).

أمر
آخر أنه تعالى ذكر في سورة الإنسان شيئاً من ابتلاء الأعمال ما لم يذكره
في سورة الملك. فذكر في سورة الملك آية في المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
{12}‏) وآية في الكافرين (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ
جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {6}) لكن في سورة الإنسان ذكر الإبتلاء في
الأعمال
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ
وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8})
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً
{24} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {25}‏ وَمِنَ اللَّيْلِ
فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً {26})
وأفاض في ذكر النعيم في الآخرة مما لم يذكره في الملك (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}) فذكر ما يستدعي الإبتلاء وذكر الكافرين (إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً {27}) وذكر الظالمين (يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {31}‏) والظلم
من نتائج الأعمال. إذن السياق والوسائل وما ذكر من الأعمال جعل ذكر
الإبتلاء أنسب من كل ناحية من حيث الوسائل وجو السورة والسياق والأعمال هذا
من حيث الصيغة.

يأتي سؤال نحوي هنا : قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا) فما هو وضع نبتليه من الناحية النحوية في الآية؟
نبتليه جملة فعلية تحتمل معنيين: الأول التعليل نبتليه بمعنى لنبتليه كما
قال في سورة الملك لنبلوكم، الجملة إسمها استئنافية تفيد التعليل مثل: جئت
أشتري داراً أو جئت أتعلم. والإحتمال الثاني أن تكون حال مقدرة من الفاعل.
والحال مقسمة إلى ثلاثة أقسام من حيث الدلالة على الزمن:

1. حال مقارنة: مثل جاء ماشياً أو شربت الماء بارداً وهذه أكثر أنواع الحال.

2. حال مقدّرة:
تقع في الإستقبال يعني الفعل في زمن والحال في زمن آخر في المستقبل كما
جاء في قوله تعالى (وبشرناه باسحق نبياً من الصالحين) وهناك فرق بين الزمن
عند تبشير ابراهيم باسحق ولم يكن عندها موجوداً حتى في رحم أمه، أو كقوله
تعالى (لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصرين)
والحلق والتقصير هي آخر الشعائر بعد الطواف والسعي. إذن الفعل يأتي في زمن
والحال تأتي في زمن آخر في المستقبل.

3. حال محكية قد يكون زمنها ماضي.

نعود للحال المقدرة ودلالتها في آية سورة الإنسان: نبتليه جملة فعلية حال مقدرة من الفاعل فقوله تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)
بمعنى مبتلين له أي الله تعالى هو المبتلي، ومحتمل أن تكون حال مقدرة من
المفعول بمعنى خلقنا الإنسان مُبتلى مثل قوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في
كبد) وأصلاً الحال يمكن أن تفيد عِلّة مثل (جئت طامعاً في رضاك) و (جئت
مبتغياً عونك) هي حال وتظهر كأنها علة. إذن استخدام كلمة
(نبتليه)
أفاد معاني عدة وهذا من باب التوسع في المعنى لأنها احتملت أن تكون
استئنافية للتعليل، أو حال مقدرة من الفاعل أو حال مقدرة من المفعول. ولو
جاء الفعل باللام (لنبتليه) لما أفاد إلا معنى التعليل فقط وصيغة
(نبتليه) أفادت عدة معاني وكلها مقصودة في الآية.

ونسأل لماذا لم تستخدم هذه الصيغة في آية سورة الملك لتفيد التوسع ايضاً؟
لأن التعبير في سورة الملك لا يحتمل أصلاً لأنه تعالى ذكر في سورة الملك
خلق الموت والحياة ولم يذكر الإنسان أصلاً فكيف تأتي الحال وهو لم يذكر
الإنسان ؟ إذن لا يصح التعبير أما في سورة الإنسان فذكر الإنسان لذا جعل كل
تعبير في مكانه الذي يؤدي المعنى المطلوب بأوسع صورة.

من الملاحظ في آية سورة الإنسان أن الله تعالى ذكر كل ما يصح معه الإبتلاء ومستلزمات الإبتلاء: السمع (سميعاً) والبصر (بصيرا) والعقل (إنا هديناه السبيل) والإختيار (إما شاكراً وإما كفورا)
ولا يمكن للإنسان أن يكون شاكراً أو كفرواً إلا إذا كان عاقلاً، وذكر مادة
الإختيار أي السبيل الذي هداه الله له وذكر موقف المكلّفين من الإختيار
فقسم منهم شاكر وقسم كفور وذكر عاقبة الإبتلاء (الجنة والسعير) وذكر
المبتلي (وهو الله تعالى) وذكر المبتلى (وهو الإنسان) فلم يدع شيئاً يخص
الإبتلاء إلا وذكره في هذه الآية والإبتلاء لا يصح بدون هذه الأدوات كلها.

(فجعلناه سميعاً بصيرا):

قدّم
تعالى السمع على البصر في هذه الآية كما هو شأن الكثير من آيات القرآن في
تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم في باب التكليف والإختبار من البصر
لأن فاقد السمع من الصعب تكليفه بخلاف فاقد البصر الذي يكمن تبليغه وتكليفه
بشكل أسهل. والأمثلة في القرآن الكريم عديدة عن تقديم السمع على البصر
كقوله تعالى (وهو السميع البصير) (إنني معكما أسمع وأرى) (إن السمع والبصر
والفؤاد).

وفي هذه الآية من سورة الإنسان قدّم تعالى السمع والبصر على الهداية فبعد أن قال تعالى (فجعلناه سميعاً بصيرا) قال (هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا)لأن
السمع والبصر يوصلان المعلومات إلى العقل وبدونهما تتعسّر الهداية
والأحكام في الغالب تأتي بما يقدمه السمع والبصر فهما إذن أي السمع والبصر
سبيل للوصول إلى الهداية وسبيل العقل لفهم المعلومات. ومن الملاحظ أنه
تعالى لم يفصل بين السمع والبصر بالواو كأن يقول
(سميعاً وبصيرا) أنما جاءت الصفتان متصلتان (سميعاً بصيرا) لئلا يُفهم أنه تعالى خلق الإنسان على نوعين منهم من يسمع ومنهم من يُبصر.

وهنالك أمر آخر في هذه الآية أيضاً وهو لماذا استخدم صيغة المبالغة (سميعاً) ولم يستخدم (سمّاع) مثلاً؟

في
القرآن الكريم يستعمل صيغة المبالغة (سميع) كما في قوله (وهو السميع
البصير) (السميع العليم) ويستعمل صيغة المبالغة (سمّاع) كما في قوله في
سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا
بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ
مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ
تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ
لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن
يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41}‏ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ
عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ {42}) وفي سورة التوبة (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا
زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ {47}) والفرق في استعمال الصيغتين في القرآن هو أن صيغة
سميع استعملت في القرآن كوصف لله تعالى(وهو السميع البصير) ووصف للإنسان
(سميعاً بصيرا)
وهي في مقام المدح، أما صيغة سمّاع فلم تستعمل في القرآن إلا كوصف للإنسان
وفي مقام الذمّ فقط. إذن صيغة المبالغة سميع تستعمل في مقام المدح
والإمتنان والتفضّل بالنعمة ففي آية سورة الإنسان وعلى ما جرى عليه في
القرآن الثناء هنا بالإمتنان على الإنسان
(سميعاً بصيرا) لذا اقتضى استخدام الصيغة (سميع) وليس (سمّاع).

آية (3):

(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً {3})

نلاحظ أنه كما قال تعالى في الآية السابقة (إنّا خلقنا) بالتوكيد وضمير التعظيم قال في هذه الآية أيضاً (إنا هديناه)
بالتوكيد وضمير التعظيم أي بإسناد الفعل إلى نفسه تعالى لأن الهداية أمر
مهم وهي الغاية التي خُلق الإنسان وقد تفوق خلق الإنسان. والخلق لِعِلّة
كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإذا كان الخلق مؤكد فلا
بد من أن تكون الهداية مؤكدة وكما أسند تعالى الخلق إلى نفسه في آية سورة
الإنسان
(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) أسند الهداية إلى نفسه أيضاً في قوله (إنا هديناه السسبيل)
ومن ناحية أخرى فإن المنهج الصحيح لا يستطيعه أحد إلا الله تعالى ولا
يُنسب إلا إلى الله تعالى ولو تُرِك الناس إلى عقولهم لأصبحوا شيعاً
وأحزاباً كلٌ يختار ما يشاء، إذن الطريق الصحيح للهداية لا يستطيعه إلا
الله تعالى لأنه هو الذي خلق وهو أعلم بمصالح العباد.

(إنا هديناه السبيل)
عدّى الفعل بنفسه وفعل هدى قد يتعدى بنفسه كقوله (إهدنا الصراط المستقيم)
وقد يتعدى بـ (إلى) كما في قوله تعالى (يهدي إلى الحق) بمعنى يدلّه ويرشده
إليه، وقد يتعدّى باللام كما في قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) و قوله
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وقد تكلمنا باستفاضة عن فعل هدى في شرح
سورة الفاتحة
(اضغط هنا للرجوع إلى سورة الفاتحة). وفي
هذه الآية قال تعالى (إنا هديناه السبيل) لأن التعدية بالفعل بإلى تقال
لمن لم يكن في الطريق فتدله وترشده إليه فإذا وصل إلى الطريق يحتاج لمن
يعرّفه به وبماذا في الطريق فحينها يتعدى الفعل باللام أما تعدية الفعل
بدون حرف جر فتقال لمن كان في الطريق فتبين له مراحل في الطريق ومن لم يكن
في الطريق أو كان بعيداً عنها فترشده اليها وتدله إليها. وقال تعالى
مخاطباً رسوله
r (ويهديك صراطاً مستقيما) والرسول r
سلك الطريق وقال تعالى على لسان الرسل (وقد هدانا سبلنا) وهم أيضاً كانوا
في الطريق. وقال تعالى (فاتبعني أهدك صراطاً سويا) في خطاب ابراهيم
u
لأبيه الذي لم يكن في الطريق وكذلك قال تعالى مخاطباً المنافقين
(ولهديناهم صراطاً مستقيما). إذن عدم تعدية الفعل في الآية بحرف جر جمعت
المعنيين وبذلك أتمّ تعالى نعمته على الإنسان بأن يدلّه ويرشده إلى الطريق
لما كان بعيداً عنها ويبيّن له معالم ومراحل الطريق عندما يصل إليها وقامت
الحجة على الجميع إذن فالله تعالى يستحق الشكر على ذلك.

(إما شاكراً وإما كفورا): شاكراً صيغة إسم فاعل وكفورا صيغة مبالغة لم يجعلهما على نمط واحد لم يقل إما شاكراً وإما كافراً أو إما شكوراً وإما كفورا.
لأن الشكور قليل مصداقاً لقوله تعالى (وقليل من عبادي الشكور) ول قال
تعالى شكورا لكان أخرج من بينهم الشاكرين وهم الأكثر فالآية حينها لن تشكل
مجموعة الخلق الشاكرين. وكذلك لم يقل كافراً (اسم فاعل) لأن الكافر لم
يستعملها القرآن الكريم مقابل الشاكر وإنما بمقابل المؤمن (فمنكم كافر
ومنكم مؤمن) إذن لا تصح المقابلة (شاكرا) و(كافرا) لأن القرآن لم يستعملها
هكذا. صيغة كفور يستعملها القرآن لأمرين : للكافر المبالغ في الكفر (إن
الإنسان لكفور مبين) (وكذلك نجزي كل كفور) ولجاحد النعمة غير الشاكر (إما
شاكراً وإما كفورا) (وكان الشيطان لربه كفورا). وهنا يأتي سؤال:
كي تكون كفرواً بمعنى غير شاكر في قوله تعالى (وكان الشيطان لربه كفورا)؟ يدل
على ذلك اللام في (لربه) لأن الكفر المقابل للإيمان يُعدّى بالباء لا
باللام كما في قوله تعالى (إن الذين يكفرون بالله ورسوله) (وكانوا بشركائهم
كافرين) فلا نقول يكفر لله وإنما يكفر بالله. وكذلك الكفر المقابل للشكر
لا يُعدّى باللام فكفران النعمة يتعدى بنفسه (فاشكروا لي ولا تكفرون)بمعنى
كفر النعمة أو كفر صاحب النعمة (وإن كفرتم) إذن ما هي اللام في (لربه)؟
اللام هنا هي لام التقوية إذا جئنا بصيغة المبالغة أو اسم الفاعل هذا الفعل
الذي يتعدى بنفسه يمكن إضافة لام التقوية له كما في قوله تعالى (وهو الحق
مصدقاً لما معه) فعل صدّق يتعدى بنفسه واللام للتقوية وكذلك قوله تعالى
)فعّال لما يريد) أي فعّال ما يريد. إذا تأخر الفعل أو كان مصدراً أو صيغة
مبالغة قد يُؤتى باللام المقوّية كما جاء في قوله تعالى (وكان الشيطان لربه
كفورا).

أمر آخر أنه تعالى اختار الشكر على الإيمان في آيات أخرى منها قوله تعالى في سورة التغابن (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ
وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {2}) أما في آية
سورة الإنسان اختار الشكر مع كفران النعمة لأن نعمة الخلق والهداية لا
تقتضي الإيمان فقط وإنما تقتضي الشكر لأنه لما أنعم تعالى على الإنسان
بالسمع والبصر والعقل والإختيار والهداية كل هذه نعم تقتضي الشكر فهو
الإيمان وزيادة في الآية السابقة في سورة التغابن ذكر تعالى نعمة الخلق فقط
أما في سورة الإنسان ذكر الخلق والهداية فكما زاد وتفضّل بأن جعل الخلق
وزيادة ينبغي أن تكون الزيادة أيضاً فذكر الشكر وزيادة.

(إنا خلقنا) لم يكتف بذلك بل قال (سميعاً بصيرا)
وجعل له عقلاً واختياراً لذا يقتضي الإيمان وزيادة ثم النعم مثل قوله (هو
الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) فالنعمة تقتضي الشكر وليس
مجرد الإيمان ومسألة الشكر والإيمان مناسب لجوّ السورة فقد جاء في سورة
الإنسان قوله تعالى
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9}) وقوله تعالى (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22}) فذكر الشكر مناسب من جهة السياق ومن ناحية جو السورة الكلي . وهناك أمر آخر حسّن اختيار الشكر (إنا هديناه السبيل)
والسبيل هي الطريق المسلوكة الميسّرة السهلة وهناك فرق بينها وبين النجد
(وهديناه النجدين) فربنا هدانا السبيل الميسرة للهداية وكونها ميسرة يستدعي
الشكر ولما قال (وهديناه النجدين) أتبعها بقوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ {17}) التواصي بالصبر لأن سلوك النجدين يحتاج لمجاهدة وصبر
أما هداية السبيل الميسرة فتحتاج إلى شكر. إضافة إلى ما سبق من أين ما
نظرنا فالسياق يستدعي الشكر. وقد يرد السؤال:
لماذا قدّم الشاكر على الكفور؟ قدّم الشكر لأنه قدّم ما يستدعي الشكر (النعم التي ذكرها) ثم أنه في السورة أفاض في ذكر جزاء الشاكرين في سبع عشرة آية من الآية (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}) إلى قوله (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً {22}) في نهاية الآية بينما اختصر في عقاب الكافرين ولم يذكرهم إلا في آية واحدة هي (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً {4})
إذن الإفاضة في ذكر جزاء الجنة وذكر الشاكرين اقتضى تقديم الشاكرين على
الكافرين، وهناك أمر آخر أنه تعالى قدّم الرحمة على العذاب في آخر السورة
أيضاً
(يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {31}) لذا بدأ بالشاكرين (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً {3})
فأول السورة وآخرها على نفس النسق. ثم إن هذا التقديم (الشاكر على الكفور)
هو نظير ما تقدم في القرآن فحيثما اجتمع الشكر والكفر قدم الشكر على الكفر
(ليبلوني أأشكر أم أكفر) (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر) (واشكروا لي
ولا تكفرون) إلا في آية واحدة فقط في سورة الزمر (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن
تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ
إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {7}) والسبب في ذلك أنه تقدم ذكر الكفر
والكافرين في سورة الزمر (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
كَاذِبٌ كَفَّارٌ {3}) فناسب سياق السورة تقديم الكفر على الشكر وكذلك في
آخر السورة ذكر عقاب الكافرين أولاً (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ
لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ
عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا
قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ
{71}) ثم جزاء الشاكرين (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى
الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ {73}). وقد قال الرازي إن القرآن كله كالسورة الواحدة بل كالآية
الواحدة بل الكلمة الواحدة.

آية (4):

(إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً {4})

نلاحظ فى هذه الآية أنه تعالى أكّد الإعتاد والعذاب (إنا أعتدنا) كما أكد الخلق والهداية سابقاً (إنا خلقنا، إنا هديناه). وهنا يأتي سؤال وهو ما الفرق بين اعتدنا وأعددنا؟ القرآن الكريم يستعمل أعتدنا وأعددنا فلماذا استخدم هنا أعتدنا؟
لأن أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر
وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس
بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا
وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء
فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ
الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا
لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ
فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا
الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً
فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً
فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون
أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية
سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة
المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين
حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم
بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا
أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).

أما في آخر السورة فجاءت الآية (يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {31}‏) باستخدام (أعد) لأن الكلام في الآية عن أهل الدنيا وليس عن الآخرة.

إضافة
إلى ذلك لم يرد في القرآن الكريم كلمة أعددنا مطلقاً أي أعدّ واستعمال
الضمير (نا) وإنما يستعمل أعتدنا وهي خصيصة من خصائص التعبير.

تكلّمنا
عن الفرق بين أعتد وأعدّ والآية التي قبل هذه الآية (إما شاكراً وإما
كفورا) وفي هذه الآية قال تعالى (للكافرين) وهي ليست جمع كفور وإنما هي جمع
كافر وكان المضمون أن يجعل الإعتاد لجمع الكفر وهي (كُفُر) على وزن فعول
فُعُل مثل صدوق صُدُق ورسول رُسُل وهذا هو القايس. إذن
لماذا قال (إما شاكراً وإنا كفورا) ثم قال (إنا أعتدنا للكافرين) ولم يقل (أعتدنا للكُفُر)؟
لو قال أعتدنا للكُفُر لكان يذهب الظنّ أن العذاب يتناول المبالغ في الكفر
وليس لغير المبالغ أي كأن الكافر لا يناله العذاب، لكن لمّا ذكر عقاب
الكافرين غمن باب أولى أن يكون عقاب الكُفُور أكبر بمعنى أن هذا عذاب من
دونه وهو الكافرين فكيف يكون عذاب الكُفُور؟ لا بد أنه أكبر وأشدّ.

(سلاسل وأغلالاً وسعيرا)هنا العذاب بالسلاسل والأغلال والسعير فلماذا ذكر هذا النوع من العذاب؟ السعير هي جهنم للكافر عموماً لماذا ذكر السلاسل والأغلال؟ ذكر تعالى أنه أطلق الحرية للإنسان (إما شاكراً وإما كفورا)
والإختيار في الدنيا وهداه السبيل فلم يسلكها ولهذا قيّده الله تعالى في
الآخرة لأنه ليس له أن يختار في الآخرة فكما أساء الإختيار في الدنيا قيّده
بالسلاسل (والحرية عكس القيد) والسلاسل تُقيّد حركة الأرجل والأغلال تقيّد
حركة الأعناق والأيدي كما في قوله تعالى في سورة المائدة آية 64
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) قيّد حركته على كل حال بمقابل الحرية المطلقة التي كانت له في الدنيا.

آية (5)-(6):

(إِنَّ
الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}‏
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً {6})


ورد في القرآن جمع الأبرار والبررة ونلاحظ أن القرآن
الكريم يستعمل الأبرار للناس المكلّفين ويستعمل البررة للملائكة ولم
يستعملها للناس أبداً (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {16}عبس)
لماذا؟
الأبرار هي من الصيغ المستخدمة
لجموع القَلّة والناس قليل منهم الأبرار (قلة نسبية) مصداقاً لقوله تعالى
(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {103}يوسف)
فاستعمل القَلّة النسبية بينما الملائكة كلهم أبرار فاستعمل معهم الجمع
الذي يدل على الكثرة (بررة).

ثم قال تعالى (يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) والكأس هي الزجاجة التي فيها شراب فإذا كانت فارغة تُسمّى زجاجة. وفي الآية ذكر تعالى صنفين من هؤلاء (الأبرار) الذين يشربون من كأس ممزوجة بالكافور وقسم آخر هم (عباد الله) في قوله تعالى (عيناً يشرب بها [u:d10c
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
Admin



2
دعانى الى المنتدى : انا عملتو وانا ما في حدا دعاني
مكانى /دولتى : فلسطين
عدد المساهمات : 532
نقود للمتجر : 896
تاريخ التسجيل : 22/05/2013
العمر : 23
الموقع : فلسطين
تعاليق : اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله

 لمسات بيانية من سورة الانسان - 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: لمسات بيانية من سورة الانسان - 1    لمسات بيانية من سورة الانسان - 1 11750610الخميس مايو 30, 2013 10:40 am

شكرا على موضوعك الرائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://anamoslem.ogamefever.com
 
لمسات بيانية من سورة الانسان - 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  لمسات بيانية من سورة الانسان -3
»  لمسات بيانية من سورة الانسان - 2
» إن الانسان الحر كلما
»  اهداف سورة البقرة
» نفحات قرآنية .. في سورة الأنعام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الاسلام ديني العام :: القران الكريم-
انتقل الى: